تقرير أمريكي: الإعصار النووي يقترب: واشنطن أمام أخطر اختبار ردع منذ الحرب الباردة
أغسطس 13, 2025
نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية تقريرًا موسعًا رسم ملامح ما وصفته بـ “الإعصار النووي” الذي يقترب من النظام الدولي بسرعة غير مسبوقة، محذرًا من أن الولايات المتحدة تقف اليوم أمام واقع استراتيجي مختلف جذريًا عما عرفته منذ نهاية الحرب الباردة، وأنها إذا لم تتحرك بسرعة فقد تجد نفسها أمام سيناريوهات استخدام فعلي للسلاح النووي من قبل خصومها أو حتى ضد أراضيها وحلفائها.
متابعات – الخبر اليمني:
وقال التقرير الذي كتبه خبيران أمريكيان شغلا مواقع حساسة في البيت الأبيض والبنتاغون، أن المشهد النووي العالمي عاد ليتشكل على أسس أكثر خطورة مما كان عليه في أوج الحرب الباردة، مع دخول لاعبين جدد إلى نادي القوى النووية، وتصاعد نهم القوى التقليدية القديمة لتطوير وتوسيع ترساناتها بما يتجاوز أي قيود أو معاهدات قائمة.
وقال إن الصين ظلت لعقود تلتزم بترسانة نووية محدودة وردع دفاعي قائم على “عدم الاستخدام الأول”، تسابق اليوم الزمن للوصول إلى ترسانة تضاهي الترسانتين الأمريكية والروسية، مع مئات الصوامع الجديدة للصواريخ العابرة للقارات وأنظمة فرط صوتية متقدمة، في تحول نوعي يضعها في قلب معادلات الردع العالمي ويجبر واشنطن على إعادة النظر في بنيتها النووية بالكامل.
أما من جهة روسيا فلم تكتف بخرق معاهدات الحد من التسلح، بل دمجت التهديد النووي في استراتيجيتها العسكرية المباشرة، كما حدث في أوكرانيا، حيث استخدم الكرملين سلاح الردع النووي كغطاء لمواصلة العدوان التقليدي، ملوّحًا بخيارات نووية منخفضة العائد لمنع الهزيمة.
ورأى التقرير أن هذا النموذج، تقول المجلة، أصبح مصدر إلهام محتمل لقوى أخرى كالصين وكوريا الشمالية، التي تواصل بدورها تعزيز قدراتها النووية وتوسيع مروحة خياراتها الهجومية بما يشمل تهديد العمق الأمريكي نفسه.
وأضاف أنه إلى جانب هؤلاء الخصوم الثلاثة، تبرز إيران التي اقتربت أكثر من أي وقت مضى من القدرة على إنتاج سلاح نووي، وسط بيئة إقليمية متوترة قد تجعل أي تقدّم نووي مفاجئ شرارة لحرب واسعة.
وفي باكستان، التي تسوق برنامجها النووي كأداة ردع ضد الهند، ترصد الاستخبارات الأمريكية مؤشرات على تطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على الوصول إلى الأراضي الأمريكية، ما يعني إضافة لاعب نووي جديد إلى قائمة المهددات المباشرة لواشنطن.
وقالت مجلة “فورين أفيرز”، إنه لا يكمن في قدرات كل قوة على حدة فقط، بل في إمكانية تنسيق هذه القوى لشن أزمات متزامنة تربك الولايات المتحدة وتستنزف قدرتها على الردع، كأن تهاجم الصين تايوان بينما تضغط روسيا على أوروبا الشرقية، في وقت تتورط فيه كوريا الشمالية في استفزازات في شبه الجزيرة الكورية.
وأضاف أن مثل هذه السيناريوهات كفيلة بوضع صانع القرار الأمريكي أمام خيارات كلها مرّ، وقد تضطره إلى التراجع في جبهة أو أكثر، بما يضعف مصداقية الضمانات الأمريكية لحلفائها ويفتح الباب أمام سباق تسلح نووي جديد حتى في دول كانت تاريخيًا تحت المظلة النووية الأمريكية.
وتحذر المجلة من أن مظلة الردع الأمريكية، التي منعت حلفاء واشنطن لعقود من السعي لامتلاك أسلحة نووية خاصة بهم، تواجه اليوم اختبارًا صعبًا. كوريا الجنوبية، وبعض دول أوروبا، بدأت تطرح علنًا تساؤلات حول مدى استعداد الولايات المتحدة للتضحية بمدنها في حال تعرضت هي لهجوم نووي.
ومع أي شكوك إضافية، قد تتسارع خطوات هذه الدول نحو برامج نووية مستقلة، ما يعني ضرب معاهدة حظر الانتشار النووي في مقتل، وتفجير بيئة أمنية أكثر هشاشة وخطورة.
في خضم هذا المشهد، ترى “فورين أفيرز” أن الترسانة النووية الأمريكية، التي يجري تحديثها ببرنامج تتجاوز تكلفته تريليون دولار، مصممة في الأساس لردع روسيا وحدها، وليست مهيأة لمواجهة قوتين عظميين مسلحتين نوويًا في وقت واحد، فضلًا عن خصوم إقليميين آخرين.
واضاف أن بعض خطط التحديث الحالية، مثل تقليص عدد الغواصات من فئة “أوهايو” إلى “كولومبيا” بسعة أقل، قد تخفض قدرة الردع في لحظة توسع فيها الصين منصاتها النووية البرية بسرعة قياسية.
وتخلص المجلة إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى ترسانة “أكثر، ومختلفة، وأفضل” مما كانت عليه في العقود الماضية، مع إعادة صياغة الاستراتيجية النووية لتشمل الردع الإقليمي المباشر، وليس الاكتفاء بالردع الاستراتيجي الشامل، كما تحتاج إلى خيارات نووية منخفضة العائد وأكثر تنوعًا في آسيا وأوروبا، وتوسيع القدرات البحرية، وضمان بقاء عنصر الردع البحري في كامل جاهزيته، حتى لو تطلب الأمر تمديد عمر الغواصات الحالية وزيادة عدد الغواصات الجديدة مستقبلًا.
لكن الأهم، وفق التقرير، هو إعادة إدماج التفكير النووي في صميم السياسة الدفاعية الأمريكية، كما كان الحال في ذروة الحرب الباردة، وإرسال رسائل واضحة للحلفاء بأن الضمانات الأمريكية ليست محل مساومة.
كذلك دعت المجلة إلى إحياء مسار ضبط التسلح مع روسيا، وإشراك الصين في ترتيبات جديدة، حتى لو كانت أكثر مرونة من الاتفاقيات السابقة، لوقف الانزلاق نحو سباق تسلح مفتوح بلا قواعد.
وتختتم “فورين أفيرز” بالقول إن الأعاصير النووية القادمة لن تنتظر إصلاحات بطيئة أو رهانات على حسن نوايا الخصوم. العالم يدخل مرحلة لم يشهدها من قبل، ومع كل تأخير في إعادة ترتيب البيت النووي الأمريكي، تتراجع القدرة على منع الكارثة المقبلة.
واختتم التقرير بالقول إنه إذا لم تتحرك واشنطن بسرعة وبقرارات جريئة، فقد تجد نفسها في المرة القادمة أمام انفجار نووي حقيقي، لا مجرد تهديد به.
The post تقرير أمريكي: الإعصار النووي يقترب: واشنطن أمام أخطر اختبار ردع منذ الحرب الباردة first appeared on الخبر اليمني.