ما بعد نشوة الاغتيالات.. الضربات اليمنية الأخيرة تعيد إسرائيل إلى مربع البحث عن الردع المفقود
سبتمبر 6, 2025
ضرار الطيب:
بعد أيام من الاحتفاء باغتيال رئيس وبعض وزراء الحكومة اليمنية في صنعاء، وتقديمه كإنجاز رادع، عاد الاحتلال الإسرائيلي إلى مربع التفكير في خطورة استمرار التهديد الذي تشكله الضربات العسكرية اليمنية التي لم تتوقف، بل تصاعدت، وبدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقر بأن عملية الاغتيال لم تصنع أي تأثير على ذلك التهديد ولم تقرب الاحتلال ولو قليلا من إيجاد الطريق الذي يبحث عنه لـ”ردع” اليمن، بل تشير تصريحات ضباط في جيش الاحتلال إلى أن إسرائيل تكرر التجربة الأمريكية الفاشلة وذات النتائج العكسية.
العودة إلى الواقع:
في مقالة نشرتها صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية، الجمعة، يقول القائد السابق لشعبة الدفاع الجوي الإسرائيلي، العميد احتياط زفيكا حايموفيتش، إن “من كان يظن أن عملية الاغتيال الناجحة في اليمن ستجعل الحوثيين يتوقفون عن شن الهجمات على إسرائيل فهو مخطئ” وإنه “لو كان صناع القرار الإسرائيليون يعتقدون أن الحوثيين سيعيدون النظر في خطواتهم بعد فقدان معظم قياداتهم المدنية، فقد أثبتت الأيام الأخيرة عكس ذلك”.
ويرى العميد الإسرائيلي إنه “لا يمكن لإسرائيل أن تسمح بتطبيع واقع يضطر فيه ملايين الإسرائيليين، كل بضعة أيام، أو حتى عدة مرات يوميًا، إلى البحث عن ملاجئ بينما تُطلق مئات الكيلوغرامات من المتفجرات على مراكز المدن”.
لقد انتهت نشوة نجاح عملية الاغتيال، وعاد العدو الإسرائيلي إلى الاصطدام بواقع صعوبة وقف العمليات اليمنية المساندة لغزة، وهي المشكلة التي يؤكد حايموفيتش أن حلها “لا يكمن في الخطابات النارية أو الاستعارات التوراتية” في إشارة إلى تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي التي بات واضحا أنها لا تستطيع أن تجعل استهداف منشآت مدنية في اليمن أو اغتيال وزراء، ردعا عسكريا وأمنيا.
وبرغم أن عملية الاغتيال شكلت في نظر محلل السياسة الخارجية ومدير “مؤسسة التعاون الأمريكية الإسرائيلية” ميتشيل بارد “تغلبا على العجز الاستخباراتي” فإنه يؤكد أن “الحوثيين أثبتوا مبكرًا قدرتهم على الصمود” من خلال عمليات الأيام الأخيرة، وهي نتيجة لا تقتصر على التصعيد الأخير، حيث استعرض بارد في مقالة على موقع منظمة (JNS) الإسرائيلية عجز إدارتين أمريكيتين وعدة جولات من الغارات الإسرائيلية عن وقف إطلاق الصواريخ والمسيرات من اليمن، الأمر الذي يشير إلى أن الواقع لم يتغير.
وفي ظل ذلك الواقع يحذر بارد من أنه “إذا لم تتمكن إسرائيل من إيقاف الحوثيين، فإنها لا تواجه فقط فشلًا استراتيجيًا، بل فشلًا معنويا أيضًا”.
دوامة “الأضرار الممكنة والردع المستحيل”
العودة إلى الاصطدام بواقع صعوبة ردع اليمن، بفض الهجمات الأخيرة للقوات المسلحة اليمنية على العمق الإسرائيلي والتي لا تزال مرشحة للتصعيد، لم تكشف فحسب عدم جدوى عملية الاغتيال، بل أفرزت مؤشرات جديدة على أن محاولات إسرائيل للتصعيد ضد اليمن على أمل تحقيق “ردع عسكري” تدفعها نحو تكرار التجربة الأمريكية الفاشلة والتي علقت في دوامة عدم القدرة على تحقيق الردع بالرغم من إحداث بعض الأضرار.
وفي هذا السياق نقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” الجمعة عن ضابط كبير في القوات الجوية للعدو قوله إن الهجمات الإسرائيلية على اليمن “لن تجعل الحوثيين يتوقفون عن إطلاق النار على إسرائيل، لكنها تضر بهم وتعطل روتينهم”، وهو تصريح يكاد يكون نسخة من تصريحات كررها ضباط ومسؤولون أمريكيون بشأن حملات العدوان على اليمن خلال إدارتي بايدن وترامب، وهو ما يعني أن أفق الردع مسدود، وأن السقف الأعلى لقصف اليمن هو إلحاق بعض الأذى باليمنيين.
وفيما تعلق إسرائيل الأمل على تراكم هذه الأضرار، فإن هذه الاستراتيجية تنطوي على نتائج عكسية مماثلة لتلك التي اصطدمت بها الولايات المتحدة، مثل خسارة العديد من الطائرات، وتزايد تطور القدرات اليمنية، حيث تنقل الصحيفة عن العبرية عن ضابط إسرائيلي آخر قوله إن “الحوثيين مبدعون للغاية ويجدون طرقا للتعايش والاستقلال، إنهم يؤمنون بأنفسهم وبقدراتهم، بما في ذلك في قدرتهم على الإنتاج الذاتي، ومع كل صاروخ باليستي يطلقونه، يؤكدون صراحة أنه محلي الصنع، وحتى عندما أسقطوا الطائرات بدون طيار الأمريكية، أشاروا إلى أن صواريخ أرض جو كانت ذاتية الصنع”.
وأضاف الضابط: “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل محفوران على علم الحوثيين، إنه عداء على مستوى عال جدا، وفي النهاية، هذه منظمة إرهابية ذات دافع كبير للقيام بكل ما هو ممكن لإلحاق الضرر بإسرائيل، ولذلك يتعلمون ويحققون، وفي كل مرة يتغيرون قليلا، ونتعلم أن نتوافق مع هذا الواقع ونجد الطريقة الأكثر فعالية للرد”.
وعندما سألت الصحيفة بوضوح: “ماذا الذي يمكن ان تفعله إسرائيل ولم يفعله الأمريكيون والتحالف السعودي؟ “كانت إجابة (المقدم ت) المسؤول عن التخطيط للحملة الإسرائيلية ضد اليمن في سلاح الجو الإسرائيلي، هي أن “هذه أشياء في الحمض النووي الإسرائيلي اليهودي”! وهي إجابة تشبه “الاستعارات التوراتية” التي يستخدمها وزير دفاع العدو، والتي ثبت أنها ليست استراتيجية ردع بأي حال من الأحوال.
The post ما بعد نشوة الاغتيالات.. الضربات اليمنية الأخيرة تعيد إسرائيل إلى مربع البحث عن الردع المفقود first appeared on الخبر اليمني.