ظهور الغاز في بني حشيش.. شواهد هيدروكربونية تستدعي التقييم لا الارتجال

أغسطس 5, 2025

| بقلم: د. عبدالغني جغمان خبير نفطي واستشاري في تنمية الموارد الطبيعية..

طالعنا مؤخرًا خبر قيام عدد من المواطنين في منطقة عيال مالك، الواقعة في أعلى وادي السر في مديرية بني حشيش، بحفر بئر ماء، إلا أنهم تفاجأوا بظهور كميات لا بأس بها من الغاز (Gas Emissions) تصاعدت إلى السطح. هذا الحدث أعاد إلى الأذهان ما وقع عام 2024 في هجرة شوكان خولان، حين ظهرت مؤشرات مماثلة في إحدى الآبار، ثم توقفت بعد أيام، دون استكمال الحفر أو التقييم الفني الدقيق.

خاص- الخبر اليمني:

تزامن الحدث الجديد مع معطيات جيولوجية سبق لي تحليلها ضمن دراسة موسعة قمت بها بعنوان: مراجعة الإمكانات الهيدروكربونية في قطاع 21 | حوض صنعاء، صدرت بتاريخ 11 يوليو 2024، والتي تناولت بالحفر والتحليل العلمي احتمالية وجود تراكمات غازية (Gas Accumulations) في المنطقة الممتدة من خولان وحتى بني حشيش، بناء على شواهد ظهرت في عدد من الآبار السطحية المحفورة لأغراض مائية.

شكل رقم 1 خريطة للحدود الادارية والمنطقة موضوع الدراسة

التفسير الجيولوجي للظاهرة

تبيّن الدراسة أن العمود الجيولوجي للمنطقة يحتوي على صخور حاملة للمواد العضوية (Organic-Rich Formations)، وقد ساهم النشاط البركاني المرتبط بتفتح البحر الأحمر خلال العصر الثلاثي (Tertiary Rift Volcanism) في نضوج هذه المواد وتكوّن الغاز في أعماق التكوينات الرسوبية.

  • تم تحديد أن الغاز محصور في طبقات رملية (Sandstone Reservoirs) في أعلى تكوين الغراس (Al-Gharas Formation)، ضمن مجموعة الطويلة (Tawilah Group)، وتحديدًا ما يعرف بـ”العمش”.
  • التحليل أظهر أن الطبقة السوداء المصمتة (Seal Rock) منعت الغاز من الهروب إلى الأعلى، مما ساعد على تكوين مصائد غازية (Gas Traps).
  • في الحالات التي تم فيها اختراق هذه الطبقات، شوهد تصاعد الغاز واشتعاله كما حدث في بئر الشرفة عام 2015، وفي شوكان عام 2024، حيث استمر الغاز لأيام قبل أن يتوقف.

لكن من المهم التأكيد أن هذه الآبار تم حفرها بطريقة بدائية، ولم تُنفذ وفق المعايير الفنية الخاصة بـحفر الآبار الاستكشافية (Exploratory Well Drilling). لم تُنزّل فيها المحافظات (Casing Strings)، ولم تُستخدم سوائل الحفر أو أدوات القياس الجيولوجي المناسبة، ما أدى إلى انهيار جدران البئر (Wellbore Collapse) وربما فقدان الضغط، وبالتالي توقّف الغاز.

شكل رقم 2 العمود الجيولوجي المبسط للبئر التي حفرت في خولان 2024

ما بين الاكتشاف والجدوى الاقتصادية

من المهم التمييز بين ما يُعرف بـالاكتشاف الغازي (Gas Show) والجدوى التجارية (Commercial Viability). فوجود الغاز في بئر ماء هو مؤشر إيجابي، لكنه لا يكفي للجزم بوجود احتياطيات اقتصادية (Recoverable Reserves). فكمية الغاز، وامتداد التكوين، وجودة الصخر، وسلامة المصيدة، وضغط الخزان، كلها عناصر لا يمكن تحديدها إلا عبر بئر استكشافية مكتملة.

ومن هنا، فإن توقف تصاعد الغاز في بئر لا يعني بالضرورة نضوبه، بل قد يكون ناتجًا عن تهدم البئر (Wellbore Damage) أو سوء إدارة عملية الحفر.

توصيات فنية علمية

خلصت الدراسة إلى تقسيم المنطقة إلى ثلاث نطاقات ذات احتمالية واعدة متفاوتة وتقع بئر بني حشيش في المنطقة B  وهي ذات واعدية ولكن تحتاج الى دراسات موسعة ولهاذ فإن الدراسة اوصت بناءً على المؤشرات السطحية والجيولوجية، وأوصت بالتالي:

  1. إعادة دراسة التوزيع تحت السطحي (Subsurface Mapping) لتكوينات مجموعة الطويلة.
  2. تقييم الخواص الفيزيائية للصخور (Petrophysical Properties) عبر تحليل المكاشف السطحية.
  3. فحص المحتوى العضوي (TOC – Total Organic Carbon) للصخور المصدرية المحتملة.
  4. دراسة التدرج الحراري (Geothermal Gradient) وتأثير النشاط البركاني على نضوج المواد العضوية.
  5. استخدام بيانات الآبار القديمة التي اخترقت طبقات العمش أو البلق، مثل بئر الشرفة وهجرة شوكان واعالي وديان بني حشيش .
  6. إجراء تحاليل كيميائية (Geochemical Analysis) للآبار التي تظهر فيها سوائل لزجة مختلطة بالمياه.

فيما يخص الإجراءات الفنية فإننا نوصى بعمل برنامج استكشافي متكامل لإعادة تقييم القطاع وكافة المعلومات المتعلقة به والتي اهمها :

  • استخراج البيانات الخاصة بالآبار المحفورة وكل ما يتعلق بالقطاع ودراسته
  • الاطلاع على التقارير السابقة الخاصة بالنزول الحقلي في البئر الأولى في عام 2015 وفي 2024 والاستفادة من التحليلات والفحوص التي تم اجراءها آنذاك.
  • إنزال فريق فني متخصص لدراسة ما جاء في هذا التقرير ومطابقته مع المعلومات التي لديهم في الهيئات المختصة سواء هيئة النفط او هيئة المعادن والمساحة الجيولوجية.
  • اشراك المعنيين في مياه الريف في بناء تصاميم معينة لحفر الابار المطلوب حفرها لتقييم المنطقة
  • قيام هيئة مياه الريف بتولي حفر ابار للشرب لأبناء المنطقة لمنع أي خطر عليهم مثلما حدث في 2015 ، 2024 وحاليا في 2025.
شكل رقم 3 ملخص بالمناطق المحتمل تواجد فيها الغاز عند حفر ابار جديدة فيها وتم تقسيمها الى ثلاث مناطق بناء على احتمالاتها وتوفر المعلومات فيها (بتصرف من المهندس المقطري 2024)

تحذير من الارتجال واستباق النتائج

في ظل هذه المؤشرات، من غير المقبول التسرع في إصدار أحكام متفائلة أو متشائمة. المنطقة بحاجة إلى تقييم احترافي كامل، ولا يمكن حسم الجدوى الاقتصادية إلا عبر بئر حفر موجه ومعياري (Properly Engineered Exploration Well)، مزود بكل أدوات الفحص والتحليل الجيولوجي والفيزيائي.

ندعو الجهات المختصة إلى التعامل بحذر وحكمة، كما نناشد المواطنين والمتابعين عدم القفز إلى استنتاجات قد تكون مبالغ فيها أو غير واقعية. ما نشهده اليوم ليس “طفرة” غازية، بل “إشارة جيولوجية” تستحق الدراسة، لا التهويل ولا التجاهل.

ختامًا

نضع هذه الملاحظات والتوصيات أمام الجهات المعنية، آملين أن يُنظر إلى الظاهرة بمنهج علمي رصين، وأن يتم تقييمها ضمن استراتيجية استكشاف حقيقية، قد تسهم – إن ثبتت الجدوى – في فتح آفاق اقتصادية جديدة لليمن.

The post ظهور الغاز في بني حشيش.. شواهد هيدروكربونية تستدعي التقييم لا الارتجال first appeared on الخبر اليمني.

الذهاب إلى المصدر

قد يعجبك ايضا