هل خدعت صنعاء الجيش الإسرائيلي في تقييم تهديد الطائرات المسيرة؟
سبتمبر 9, 2025
كشفت الضربة الدقيقة التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية على مطار “رامون” يوم الأحد، وما رافقها وتبعها من هجمات بطائرات مسيرة، عن تحديات متعددة يواجهها جيش العدو الإسرائيلي فيما يتعلق برصد واعتراض المسيّرات اليمنية، كما كشفت عن ما يبدو أنه خطأ إسرائيلي في تقييم هذا التهديد، إما بسبب ثقة مفرطة في القدرة على التصدي، أو تضليل يمني متعمد.
ضرار الطيب-الخبر اليمني:
قال الجيش الإسرائيلي إنه تم رصد المسيرة التي ضربت مطار “رامون” الأحد، لكن لم يتم تصنيفها كطائرة معادية، وهي محاولة للقول إن الخطأ لم يكن في النظام، لكن في اليوم التالي تم تحديد تسلل طائرة مسيرة معادية عبر منطقة البحر الميت وتمت مطاردتها إلى أجواء الضفة الغربية بالمروحيات والمقاتلات لقرابة 40 دقيقة، قبل أن يعلن الجيش الإسرائيلي أن المسألة كلها “خطأ في تحديد الهوية”، وأنه لا وجود لمسيّرة أصلا!
من الواضح أن هناك مشكلة ما، وسواء كانت في النظام أم لا، فإن هذه المشكلة تبدو أكبر من مجرد سهو عادي، فالطائرات المسيرة تشكل بالفعل تحديا كبيرا لأنظمة الدفاع الجوي، ولا جدوى من إنكار ذلك، لكن اعترافا كهذا ليس من السهل الإدلاء به بالنسبة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي أعلنت لأشهر عن اعتراض العديد من المسيرات اليمنية “قبل وصولها إلى الأجواء”.
قبل ساعات من الهجوم على مطار “رامون” نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” تقريرا (تم تحديثه لاحقا بشكل محرج) أشارت فيه إلى أن تهديد الطائرات المسيرة من اليمن أصبح “ضئيلا للغاية” لدرجة أن السبب الوحيد الذي يجعل الجمهور يعرف به هو أن الجيش الإسرائيلي يواصل الإعلان عن اعتراض هذه المسيرات.
لاحقا ستقول الصحيفة في تقرير آخر إنه “إذا لم تأخذ إسرائيل الحوثيين على محمل الجد وتدرك أنهم قادرين على التكيف ومحاولة مفاجأة إسرائيل، فقد يكون هناك المزيد من الحوادث المماثلة في المستقبل، وقد ينتهي بعضها بطريقة أكثر دموية”.
ربما كان الجيش الإسرائيلي قد اطمأن بالفعل إلى التقييم الذي يفيد بأن تهديد المسيرات اليمنية أصبح “ضئيلا للغاية” واعتبر أن العدد القليل من الإصابات السابقة التي نجحت المسيرات اليمنية في تحقيقها منذ يوليو 2024 هي هامش “الخطأ” المسموح به للمنظومة الدفاعية، وربما ساهمت القوات المسلحة اليمنية في صناعة هذا التقييم في مرحلة ما على سبيل التضليل، من خلال التركيز على العمليات الصاروخية بشكل أساسي.
لا مجال للتحديد بالضبط، لكن المؤكد أن الهجمات الأخيرة للطائرات المسيرة على العمق الإسرائيلي منذ الأحد الماضي لم تكن مشابهة لتلك التي تعود الجيش الإسرائيلي على مواجهتها.
يرجع القائد السابق لمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي زفيكا حايموفيتش السبب إلى أن “الحوثيون يتعلمون ويصقلون خبراتهم” وأن ذلك ينعكس في “طريقة نشر التهديدات، وتحديد المسارات، وساعات العمل، وأهداف الهجوم، ومدى العمليات” مشيرا إلى أنه “في كل من هذه الأبعاد، يمكن ملاحظة تغييرات ومحاولات اختبار وتحدي نظام الجيش الإسرائيلي” وذلك يعني أن القوات المسلحة قد طبقت تكتيكات جديدة فاجأت جيش العدو تماما.
لكن المسألة هنا لا تتعلق فقط بالمسيرة الواحدة التي أصابت مطار “رامون” بل بعدة مسيرة تمكنت من اختراق الأجواء وأجبرت الجيش الإسرائيلي على مطاردتها واستخدام صواريخ دفاعية للمساعدة في اعتراضها أيضا على مدار يومين متتاليين، وهو ما يعني أن التغيرات التكتيكية الجديدة قد أنهت تقريبا مرحلة “الاعتراض قبل دخول الأجواء” وهذا يتطلب أكثر من مجرد مسار جديد واحد، أو تنسيق تشتيتي واحد.
إن تغييرا تكتيكيا بهذا الحجم يعني أن القوات المسلحة اليمنية باغتت الجيش الإسرائيلي بعدة مسارات وتنسيقات جديدة جعلته يرتبك تماما ويعجز عن إعادة ترتيب حساباته بسرعة، وقد عكست مطاردة الاشتباه بتسلل مسيرة لمدة 40 دقيقة هذه الحالة بشكل واضح، أو أن هناك -إلى جانب التكتيكات- تطورا تقنيا جديدا شهدته الطائرات المسيرة اليمنية مؤخرا، ففي مارس الماضي أفادت تقارير بأن القوات المسلحة اليمنية ربما أصبحت تستخدم خلايا وقود الهيدروجين للطائرات المسيرة وهو ما سيجعلها أكثر قدرة التخفي وأطول مدى بثلاث مرات مما هي عليه.
في كيان العدو يصرون على أن الطائرات التي تسللت مؤخرا كانت هي نفسها التي تم اعتراضها سابقا “خارج الحدود” ويتحدثون عن تحديات تقنية وعملياتية تتعلق بسلاح المسيرات بشكل عام، حيث يقول المحلل الإسرائيلي دين شموئيل إلماس في صحيفة “غلوبس” إن “التعامل مع الصواريخ أسهل من الطائرات المسيرة، فهي سهلة المناورة، وأصغر حجمًا، وتحلق على ارتفاع منخفض، ولها مسار متغير، وتتميز بمساحة مقطع راداري منخفضة، مما يعني أن انعكاسيتها الرادارية منخفضة، وكل هذه العوامل مجتمعة تجعل اكتشافها صعبًا”. لكن هذا التفسير لا يوضح الفرق بين الطائرات التي كان الجيش الإسرائيلي يعلن عن اعتراضها “خارج الحدود” وتلك التي تسللت إلى داخل الأراضي المحتلة هذا الأسبوع.
الثابت هو أن هناك مفاجأة يمنية حدثت، وسواء كانت تكتيكية أو تقنية أو الأمران معا، فقد أثبتت هذه المفاجأة-مرة أخرى- خطأ حسابات جيش العدو فيما يتعلق بالجبهة اليمنية، وهو خطأ يبدو أنه يمتد من تقييم القدرات والحسابات العسكرية إلى تقييم الموقف اليمني بشكل عام.
The post هل خدعت صنعاء الجيش الإسرائيلي في تقييم تهديد الطائرات المسيرة؟ first appeared on الخبر اليمني.