الصورة الكاملة: ما هو وضع جبهة البحر الأحمر مع بداية وقف إطلاق النار في غزة؟

أكتوبر 14, 2025

ضرار الطيب-الخبر اليمني:

يشغل وضع جبهة البحر الأحمر حيزا كبيرا من مشهد وقف إطلاق النار في غزة، حيث يقف قطاع الشحن (وبشكل أساسي الشركات الخاضعة للحظر المفروض من قبل القوات المسلحة اليمنية) أمام مؤشرات متضاربة بشأن إمكانية العودة إلى البحر الأحمر، وتزيد حسابات الأرباح والترتيبات اللوجستية من تعقيد الصورة، وفيما يبدو أن السؤال الرئيسي الذي يطرحه الجميع هو: “هل انتهت الحرب حقا؟” فإن المسؤول الأول عن تقديم هذه الإجابة الحاسمة لقطاع الشحن هو العدو الإسرائيلي، وليست صنعاء.

 

ما هو الموقف اليمني المعلن؟

وفقا لما جاء في كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يوم الخميس الماضي، فإن صنعاء سوف “تراقب” الوضع في غزة، لتحديد مدى التزام إسرائيل بالاتفاق، مع وجود احتمالية معلنة للعودة إلى “مسار الدعم والإسناد” في حال انقلب العدو على الاتفاق.

وجاء في آخر بيان عسكري أن “القوات المسلحة ستتعامل على ضوء نتائج تلك التطورات على الصعيد الميداني بما يفضي إلى تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني المظلُومِ”.

وبما أن مركز تنسيق العمليات الإنسانية في صنعاء (حلقة الوصل مع قطاع الشحن) لم يصدر حتى الآن أي تحديث بشأن الوضع في البحر الأحمر، يمكن القول إن صنعاء لا زالت تنتظر المزيد من التقدم في اتفاق وقف إطلاق النار، لكي تبدأ بتغيير حالة الحصار البحري المفروض على الملاحة المرتبطة بإسرائيل تدريجيا، وهو أمر ينسجم مع مبدأ المراقبة والتفاعل وفق المستجدات الذي حددته قيادة الجبهة اليمنية.

 

ما هو التغيير المتوقع؟

تمثل تجربة وقف إطلاق النار في يناير الماضي مرجعية مهمة لأي تقييم بشأن الوضع الراهن في البحر الأحمر، أو توقع للتحديثات المحتملة، ففي ذلك الوقت أبلغ مركز تنسيق العمليات الإنسانية شركات الشحن برفع الحظر عن جميع السفن باستثناء المملوكة بالكامل لأشخاص أو كيانات إسرائيلية، أو التي ترفع العلم الإسرائيلي، وقال إنه سيتم رفع الحظر على هذه السفن “عند تنفيذ جميع كامل مراحل الاتفاق”.

لقد كان مبدأ المراقبة والتفاعل وفق المستجدات أساسا واضحا في ذلك القرار أيضا، وقد التزمت القوات المسلحة بما تم إعلانه بشكل كامل، وبشهادة الجميع، قبل أن يستأنف العدو الإسرائيلي حربه على غزة ويُستأنف العدوان الأمريكي على اليمن في مارس الماضي.

ونظرا لتشابه الظروف، من المرجح أن ينعكس التقدم التدريجي في وقف إطلاق النار الحالي على الوضع في البحر الأحمر، بشكل مشابه لما تم إعلانه في يناير، إذا لم تطرأ متغيرات إضافية مثل حصول اعتداءات جديدة على اليمن، فقرار يناير تضمن تأكيدا واضحا على أنه في حال تعرض اليمن لأي عدوان سيتم إعادة فرض العقوبات على الدول المعتدية.

 

ما هو وضع الملاحة الإسرائيلية؟

بناء على تجربة وقف إطلاق النار في يناير تبدو حركة الملاحة المرتبطة بالعدو الإسرائيلي بشكل وثيق ومباشر، أقل حظا في الاستفادة من وقف إطلاق النار قبل اكتمال تنفيذ الاتفاق على الأقل.

وفي داخل كيان العدو يستبعدون أن يؤدي اتفاق وقف إطلاق النار إلى إعادة تنشيط عمليات ميناء أم الرشراش (إيلات) عن طريق السفن القادمة من البحر الأحمر، حسب ما ذكرت صحيفة “كالكاليست” العبرية.

وقال العميد (احتياط) يوفال أيالون، القائد السابق لأسطول البحرية الإسرائيلية، والباحث في معهد دراسات الأمن القومي إنه “على المدى القريب، سيسود بعض الهدوء، باستثناء ما يحدث في البحر الأحمر”.

وفي آخر تحديثاته الأسبوعية، قال مركز المعلومات المشترك التابع للقوات البحرية الدولية في المنطقة الاثنين إن “مستوى التهديد لأي سفينة تجارية أو شركة شحن تابعة لمصالح إسرائيلية (مملوكة بالكامل/جزئيًا، وترفع علم إسرائيل، وتتوقف في موانئ إسرائيلية) لا يزال حرجا عند عبور البحر الأحمر”.

 

ماذا يقول قطاع الشحن الدولي؟

وفقا لشبكة (لويدز ليست) البريطانية المتخصصة في شؤون الشحن والتأمين البحري فإن شركات الشحن تحتاج إلى “الاقتناع التام” قبل العودة إلى البحر الأحمر.

وتقول شركة (ميرسك) العملاقة للشحن -وهي خاضعة للحظر اليمني بسبب تعاملها المستمر مع إسرائيل- إنها “ستنظر في استئناف المرور عبر البحر الأحمر فقط بعد التوصل إلى حل أمني طويل الأمد وقابل للتطبيق” وفقا لما نقلت رويترز، وهو نفس الموقف الذي أعلنته شركات أخرى مثل (إم إس سي) الخاضعة أيضا للحظر اليمني بسبب ارتباطها بإسرائيل.

لكن الضمان الأمني الذي تنتظره هذه الشركات لا يتعلق بردع القوات المسلحة اليمنية والقضاء على قدراتها كما يعتقد البعض، بل يتعلق بحقيقة أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لا يزال هشا، وهو أمر يعود لموقف العدو الإسرائيلي أكثر من أي شيء آخر، فقد كان هو صاحب قرار الانقلاب على اتفاق يناير، وعودة الحرب في مارس الماضي.

يقول الاستشاري في الشحن البحري ومؤسس شركة (فيسبوشي ماريتايم) لارس جنسن إن الاتفاق في يناير الماضي لم يؤد إلى عودة الوضع في البحر الأحمر إلى ما قبل الأزمة “لأن الشركات كانت قلقة على الأرجح بشأن استمرار اتفاق وقف إطلاق النار، كما أنه من الناحية التشغيلية، سيكون من المُعقّد للغاية تحويل السفن نحو قناة السويس، ثم الاضطرار سريعًا إلى التراجع والعودة إلى الالتفاف حول أفريقيا”.

وتقر شركة (ميرسك) بوضوح بأن “هناك صلة واضحة بين المخاطر الأمنية في مضيق باب المندب والصراع في غزة”.

وحقيقة أن العدو الإسرائيلي قد استأنف بالفعل الحرب على غزة بعد اتفاق يناير، وأدى ذلك إلى استئناف العمليات البحرية اليمنية، تجعل عدم اليقين الذي تشعر به شركات الشحن الآن معقولا.

 

ما هي أحدث مؤشرات التصعيد؟

يشكل عدم اليقين بشأن انتهاء الحرب في غزة هو العنوان الأبرز للوضع في البحر الأحمر، لكن الأمر لا يقتصر على احتمالات انفجار الوضع في القطاع الفلسطيني فقط، فقد برزت خلال الأيام القليلة الماضية مؤشرات يصعب تجاهلها تتعلق بنوايا إسرائيلية لمواصلة الاعتداءات على اليمن.

وبعد ما نقلته القناة الـ12 الأسبوع الماضي حول رغبة المؤسسة الأمنية لكيان العدو في “فصل ساحة اليمن عن غزة”، نقلت القناة الـ14 المقربة من نتنياهو يوم السبت عن وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش قوله إن “إسرائيل لم تنته من التعامل مع تهديد الحوثيين” مضيفا: “إنهم يملكون بنية تحتية ضخمة تحت الأرض، وهذا تهديد كبير يجب القضاء عليه”.

وبينما يعتبر داني سيترينوفيتش، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والباحث في معهد الأمن القومي بتل أبيب أن “احتمال العودة إلى القتال الكامل في غزة منخفض في الوقت الحالي، بسبب الضمانات التي قدمها الرئيس ترامب لقطر وتركيا بشأن استمرار وقف إطلاق النار” يرى في الوقت نفسه أن تركيز المؤسسة الأمنية للعدو سيتجه نحو إيران واليمن مشيرا إلى أن “اليمن لا يزال يشكل تحديا كبيرا، وتصريحات كبار المسؤولين الحوثيين بعد وقف إطلاق النار في غزة واضحة بهذا الشأن” مضيفا أنه: “لا يمكن إعادة المارد الذي خرج من الزجاجة في معركة السيوف الحديدية”، وأنه برغم كل ما فعلته إسرائيل “لم تتمكن من بناء توازن ردع من شأنه أن يمنع الحوثيين إطلاق النار على إسرائيل والسفن التي تمر عبر مضيق باب المندب” حسب تعبيره، ولكنه لا يستبعد أن تعتمد إسرائيل على مسارات دبلوماسية للتعامل مع هذه التحديات مثل “التركيز على دول الخليج لإضعاف تهديد الحوثيين”.

ويقول القائد السابق لأسطول البحرية الصهيونية يوفال إيالون إنه “إذا واجه الاتفاق مشاكل، فسيُذكّرنا الحوثيون بوجودهم” معتبرا أن “مشكلة الحوثيين باقية، سواءً بوجود اتفاق في غزة أم لا”.

ويضيف: “يجب على إسرائيل مواصلة جمع المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة وبناء بنك أهداف” لكنه يرى أنه “في النهاية، لن تتمكن إسرائيل وحدها من حل مشكلة الحوثيين”.

هذه المؤشرات التي تتزايد منذ إعلان وقف إطلاق النار بشأن “حاجة” العدو للتعامل مع الجبهة اليمنية، لا يمكن تجاهلها في تقييمات وضع البحر الأحمر، لأن أي عدوان إسرائيلي جديد على اليمن، وأي تحشيد إقليمي أو دولي جديد في البحري، قد يؤدي إلى تجدد أو تصاعد العقوبات على السفن والشركات المرتبطة بإسرائيل وأي أطراف أخرى تشارك في استهداف اليمن.

 

ما هو وضع السفن الأمريكية؟

حتى الآن يبدو اتفاق وقف إطلاق النار بين صنعاء والولايات المتحدة صامدا، وبرغم أن العقوبات التي فرضتها صنعاء مؤخرا على عمالقة صناعة النفط الأمريكية ردا على عقوبات إدارة ترامب ضد اليمن، قد أثارت تساؤلات عن احتمال عودة استهداف السفن المرتبطة بالشركات المعاقبة، فإن مركز تنسيق العمليات الإنسانية لم يذكر ذلك أبدا.

وفي تقييمه لهذا الوضع، قال مركز العمليات المشترك التابع للقوات البحرية الدولية في المنطقة الأسبوع الماضي إن “إجراء الحوثيين تجاه الكيانات التي فرضوا عليها العقوبات ستحدد استقرار اتفاق وقف إطلاق النار بينهم وبين الولايات المتحدة”.

 

تفاؤل واعتبارات أخرى:

برغم عدم اليقين، لم يكن إعلان وقف إطلاق النار في غزة خال من المؤشرات الإيجابية بالنسبة لحركة الملاحة، فقد أدى ارتفاع توقعات انخفاض أسعار الشحن وانفراج أزمة البحر الأحمر إلى انخفاض في أسهم العديد من شركات الشحن الكبيرة التي تسلك طريق رأس الرجاء الصالح، مثل (ميرسك) و(زيم) الإسرائيلية التي هبط سهمها بأكثر من 10% في غضون أسبوع فقط.

ومثلما أدى وقف إطلاق النار في يناير الماضي إلى عودة العديد من السفن إلى البحر الأحمر، فمن المتوقع أن يتكرر ذلك الآن، إذ لا تلزم جميع الشركات نفسها بالمعايير التي تعتمدها شركات مثل (ميرسك).

هذا يسلط الضوء أيضا على اعتبارات أخرى تتداخل مع حالة “عدم اليقين” فالشركات الكبيرة مثل (ميرسك) تخشى أيضا أن العودة السريعة إلى البحر الأحمر ستؤدي إلى ازدحام وهبوط سريع لأسعار الشحن وخسائر كبيرة في الأرباح، كما أن عملية إعادة ترتيب سير العمليات وخطوط النقل تحتاج إلى وقت وتكاليف، وهذا يرجح كفة خيار “الانتظار”.

وفي هذا السياق أيضا ذكرت مصادر في قطاع التأمين البحري أن شركات التامين لم تخفض أقساط مخاطر الحرب على السفن التي تعبر منطقة العمليات اليمنية بعد إعلان الاتفاق، لأن هذه الشركات “ترغب في تعويض الخسائر” التي تكبدتها بسبب تعويضات الأضرار الجسيمة التي لحقت بالعديد من السفن المستهدفة خلال العامين الماضيين، إلى جانب انتظار صمود وقف إطلاق النار.

مع ذلك فقد توقعت هذه المصادر أن ناقلات النفط اليونانيين قد تبدأ في العودة مع انخفاض التوترات.

 

The post الصورة الكاملة: ما هو وضع جبهة البحر الأحمر مع بداية وقف إطلاق النار في غزة؟ first appeared on الخبر اليمني.

الذهاب إلى المصدر

قد يعجبك ايضا