الاستعداد للجولة القادمة.. اليمن يحافظ على ضغط “وحدة الساحات” وعين إسرائيل على “تجنيد” الخليج

أكتوبر 23, 2025

ضرار الطيب:

لم تتوقف ضربات الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية على كيان العدو الإسرائيلي، إلا مع وقف إطلاق النار في غزة، وهو الشرط الذي حاولت حملتان أمريكيتان كبيرتان وعدة جولات من القصف الإسرائيلي المباشر إزاحته من المشهد قبل التوصل إلى أي اتفاق في غزة، لكن بدون جدوى، والآن، مع الاعتراف بأن التهديد الذي يشكله اليمن مستمر، يجتهد الإسرائيليون في التفكير بحلول للغز الجبهة الجديدة والبعيدة التي لا يمكن “التعايش” مع قدراتها ومع ارتباطها بكل ساحات الصراع، ومن بين كل الخيارات التي تتم مناقشتها، هناك إجماع -غير عشوائي-على ضرورة التعاون مع أطراف إقليمية أبرزها السعودية.

“وحدة الساحات”:

بعد أن كان قد حذر في وقت سابق من خطورة “تطبيع” الارتباط بين وقف إطلاق النار في غزة وتوقف الهجمات الصاروخية والجوية اليمنية، كتب القائد السابق للدفاع الجوي الإسرائيلي العميد احتياط تسفيكا حايموفيتش قبل أيام أن تحقق هذا الشرط مؤخرا بعد الاتفاق الأخير “لا ينفي التهديد الذي شهدته إسرائيل خلال العامين الماضيين” وإن “التصورات الإسرائيلية الأمنية لا يمكن ولا ينبغي أن تظل كما كانت قبل إطلاق أول صاروخ من اليمن في 31 أكتوبر 2023”.

والمسألة ليست أن الجبهة اليمنية قد فرضت موقعها الرئيسي في الحسابات المستقبلية للعدو بشأن غزة فحسب، بل بشأن الصراع الأوسع بأكمله، فتثبيت معادلة “الإسناد” لغزة هو أيضا تثبيت لمبدأ “وحدة الساحات” التي بذل العدو والولايات المتحدة جهودا كبيرة لإجهاضه تماما، لأنه يجعل خطر اندلاع حرب متعددة الجبهات حاضرا بشكل دائم ومرهق، وبالتالي “لا تستطيع إسرائيل تحمل وضع يتيح لمثل هذا التهديد إطلاق النيران عليها في أي وقت” حسب تعبير حايموفيتش الذي أضاف أيضا أنه في ظل عدم تحقيق ردع حقيقي ضد اليمن “سيتعين على إسرائيل الاستمرار في العيش تحت تهديد مستمر ومحاولة الحافظ على استجابة فورية ومنظمة دفاعا وهجوما”.

وفي هذا السياق أيضا يرى داني سترينوفيتش المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والباحث في معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، أن “حتى لو صمد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، فمن غير المرجح أن تختفي مشكلة إسرائيل مع الحوثيين” مشيرا إلى أن اليمنيين “قد يطلقون صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل احتجاجًا على هجمات ضد مكونات أخرى من المحور، تمامًا كما أعلنوا مسؤوليتهم في الماضي عن إطلاق النار على إسرائيل بسبب الهجمات الإسرائيلية على طهران وبيروت وبسبب دخول اليهود إلى المسجد الأقصى”!

حتى قبل طوفان الأقصى، كانت قيادة الجبهة اليمنية قد أعلنت أن اليمن سيكون جزءا من الحرب الإقليمية التي توعد بها الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله، ردا على أي استهداف إسرائيلي للمسجد الأقصى، واليوم بعد أن أصبح اليمن بالفعل جبهة إقليمية صلبة، يدرك الإسرائيليون أن نهاية المواجهة مع هذه الجبهة أبعد مما كانوا يعتقدون، وهو ما لا تتردد القيادة اليمنية في تأكيده من خلال الإعلان عن الاستعداد للجولات القادمة.

وقد اعتبرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” السبت أن اغتيال رئيس أركان الجيش اليمني محمد عبد الكريم الغماري، يعدّ “ضربة رمزية” لن تؤثر على القدرات العسكرية اليمنية، مشيرة إلى أن “الحوثيين لم يعودوا قوة بدائية” حسب تعبيرها.

التفكير في “إزالة التهديد”:

في مارس الماضي وقبل يومين فقط من استئناف الحرب الإسرائيلية على غزة، أطلقت إدارة ترامب حملتها العسكرية ضد اليمن، بهدف استباق أي تدخل للجبهة اليمنية التي كانت تمارس دور المراقب لوقف إطلاق النار في ذلك الوقت (أقرت صحيفة معاريف لاحقا أن عنوان “حماية الملاحة” الذي أعلنته إدارة ترامب كان هدفه إبقاء إسرائيل بعيدة عن المشهد والمساعدة على تجنيد الدول العربية في الحملة). وقد كان ذلك التحرك دليلا واضحا على حجم الضغط الذي يشكله بقاء الجبهة اليمنية كجبهة فاعلة ومرتبطة بشدة بساحة غزة.

وفيما لا زالت احتمالات عودة الحرب في غزة مرتفعة، برغم الكثير من التفاؤل، فإن مسألة استهداف اليمن تناقش في إسرائيل الآن بشكل واضح ومعلن كضرورة مستقلة حتى لو لم تعد الحرب في غزة، بل أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترغب أصلا في فصل الارتباط بين الساحتين كما أوضحت تقارير حديثة.

وبينما تجمع معظم المقترحات التي تتم مناقشتها داخل كيان العدو على ضرورة الاستعداد “لحملة مستدامة” في اليمن، فإن الكثير من الباحثين والمحللين هناك لا يعولون كثيرا على القصف الجوي وحتى “الاغتيالات” في تحقيق نتائج مؤثرة.

يقول سيترينوفيتش إن “استراتيجية إسرائيل ضد اليمن لا يمكن أن تعتمد على الاغتيالات وعمليات الرصاصة الفضية (مصطلح يشير إلى استخدام حلول بسيطة للتعامل مع مشكلة معقدة للغاية)” وإنه “يتعين على إسرائيل تعويض قلة فهمها لخصمها وغياب حضورها في منطقة البحر الأحمر” محذرا من “التفاخر المبالغ فيه بقدرة إسرائيل على إحداث تغيير في النظام في صنعاء”.

هذه الاستنتاجات ليست مبنية فقط على فشل جولات القصف الإسرائيلية ضد اليمن خلال العامين الماضيين، بل أيضا على فشل حملتين أمريكيتين متتاليتين، وسقوط تقديرات أخرى لطالما تم اعتبارها مسلمات، حيث يشير سيترينوفيتش أيضا إلى أن “كبار المسؤولين الإسرائيليين اعتقدوا بأن حرب الـ12 يوما ضد إيران ستردع الحوثيين، لكن العكس هو ما حدث”.

ولذلك تحتشد التحليلات والمقترحات الإسرائيلية بشكل رئيسي حول الخيار الذي لم تستطع الولايات المتحدة المضي فيه بالشكل المطلوب خلال العامين الماضيين، وهو تجنيد تحالف إقليمي للعمل ضد اليمن مع تحريك المليشيات المحلية في عملية برية ضد القوات المسلحة اليمنية.

تقول “يديعوت أحرنوت” أن عدم قدرة إسرائيل على العمل بريا في اليمن “تجعل الحوثيين أكثر حصانة” مشيرة إلى أن فشل الخطة التي نوقشت أثناء حملة إدارة ترامب ضد اليمن لدعم عملية برية من قبل القوات المحلية، أصاب إسرائيل “بخيبة أمل”.

ولذلك يقترح سيترينوفيتش “إنشاء وجود إسرائيلي في البحر الأحمر لتوفير المرونة العملياتية ضد اليمن مع تطوير تحالف مع دول الخليج مثل السعودية والإمارات اللتين لهما مصلحة في إضعاف الحوثيين، وعناصر في جنوب اليمن بقيادة مجموعات مثل مجلس القيادة برئاسة الرشاد العليمي، الذي يهدف إلى استبدال نظام الحوثيين” وهذه بمثابة خلاصة موجزة للخطة التي تحظى بإجماع واسع داخل كيان العدو.

إمكانية “تجنيد” دول الخليج:

لا يقول المحللون الإسرائيليون بالضبط ما الذي يضمن إمكانية المضي في هذا الخيار الذي فشلت فيه الولايات المتحدة، وفيما يتم الترويج لفكرة إقناع الولايات المتحدة بتقديم “ضمانات” أمنية للسعودية والإمارات، مثل التعهد بالدفاع عنهما وتزويدهما بالأسلحة الدفاعية والهجومية اللازمة، يتم أيضا الحديث عن “مسؤولية” السعودية عن تفاقم التهديد اليمني ووصوله إلى هذا الحد، وهو ما يشير إلى محاولة فرض “ضرورة” أن تغير الرياض سياستها تجاه اليمن وتستكمل مهمة مواجهة صنعاء.

وليس من قبيل المصادفة أن يتزامن ذلك أيضا مع محاولة تصوير السعودية كمتضرر رئيسي من العمليات البحرية اليمنية، وهو أسلوب استخدمته الولايات المتحدة سابقا لتجنيد مصر في تحالف (حارس الإزدهار) لكن بلا جدوى.

وبينما يعترف القائد السابق للدفاع الجوي الإسرائيلي أن مهمة تجنيد تحالف إقليمي ليست سهلة، وأنها “عملية طويلة” فإنه يشير إلى “إمكانية قيام الموساد يلعب دورا رئيسيا في تهيئة الظروف لمثل هذه الخطوة” وإمكانية البدء بـ”تدريب قوى المعارضة” حسب وصفه.

والحقيقة أنه بالرغم من أن العوائق التي أعاقت الولايات المتحدة عن المضي في الخيار (الإقليمي-المحلي) بالشكل المطلوب لا تزال قائمة، بما في ذلك مخاوف السعودية والإمارات من التعرض للضربات اليمنية، فإن موقف دول الخليج قابل نظريا للتغير.

لقد أفادت تقارير إسرائيلية مؤخرا بأن الشراكة بين العدو ودول الخليج، وبالذات الإمارات، “لعبت دورا حاسما” في تعزيز الحضور الإسرائيلي الاستخباراتي والعملياتي ضد اليمن.

وقد تعمدت السعودية رهن مصير اتفاق السلام مع صنعاء بالحرب في غزة وبمعركة البحر الأحمر، لكي يكون هذا الملف ورقة ضغط لدى الأمريكيين والإسرائيليين، برغم أن خارطة الطريق للحل الشامل كانت جاهزة وتم تبنيها رسميا من قبل الأمم المتحدة، كما انخرطت الرياض عمليا في تصعيد اقتصادي ضد البنوك العاملة في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية بصنعاء قبل أن تجبرها تهديدات مباشرة بالقصف على التراجع، ومع ذلك استمرت بتقديم أشكال دعم متنوعة للأسطول الأمريكي في البحر الأحمر أثناء الحملة على اليمن، واحتضنت ودعمت مؤخرا ما سمي بـ”مؤتمر شراكة الأمن البحري اليمني” الذي قالت صنعاء إنه يهدف لحراسة السفن الإسرائيلية، فضلا عن احتضان وتشغيل منظومات الرصد والإنذار المبكر ومشاركة بيانات الرادارات التي تساعد على اعتراض الصواريخ والمسيرات اليمنية المتجهة إلى إسرائيل.

وفقا لذلك، لا يمكن القول إن السعودية تعارض من حيث المبدأ التجنّد في تحالف يتضمن العمل مع إسرائيل وتحريك الأذرع المحلية ضد صنعاء، لكن يبدو أنها تبحث عن ظروف أو “صيغ” مشاركة تلائم رغباتها وتطلعاتها الخاصة، وهو ما يبقي شهية الإسرائيليين والأمريكيين مفتوحة للعمل على هذا الخيار وجر السعودية ودول الخليج إليه.

ومع ذلك، كما ثبت أن خطأ اعتقاد المسؤولين الإسرائيليين بأن استهداف إيران سيردع اليمن، لا يمكن لأحد أن يضمن فعلا أن تشكيل هذا التحالف سيحسم المواجهة، خصوصا وأن قيادة الجبهة اليمنية قد أثبتت فعلا استعدادها لخوض معركة متعددة الجبهات، بما في ذلك مع السعودية إن لزم الأمر.

 

 

 

 

 

The post الاستعداد للجولة القادمة.. اليمن يحافظ على ضغط “وحدة الساحات” وعين إسرائيل على “تجنيد” الخليج first appeared on الخبر اليمني.

الذهاب إلى المصدر

قد يعجبك ايضا